كتاب ايقظ قواك الخفية
كتاب ايقظ قواك الخفية – انتوني روبنز
نعم، هذا الكتاب ليس من نوعية الكتب التي تُقرأ مرة واحدة ثم تُهمل وتُوضع بعيداً، إنه بالفعل موسوعة متكاملة عن النمو والتحسين المستمر في كل مناحي الحياة.
قرأت هذا الكتاب حوالي أربع مرات ومراجعتي هذه تأتي بعد قرائتي له للمرة الخامسة ، وفي كل مرة اكتشف في محتواه شيء جديدا مثيراً غاب عني ولم انتبه له!
توني روبنز هو خبير متمرس في مجال التدريب المحترف والتطوير الذاتي أو ما يعرف بعلم النجاح والتفوق البشري وهو أيظاً من رواد علم البرمجة اللغوية العصبية وله اسهامات كبيرة فيه.
له عدة كتب في هذا المجال وقد اخترت أن ابدأ رحتلي معه بهذا الكتاب. في كتابه هذا لن تجد اسلوباً مملاً يخبرك بما يتجوب عليك أن تفعل لكي تصبح “سعيدا” و”ناجحاً”، كعادة الكثير من كتب التنمية الذاتية الأخرى (والتي كانت لدي قراءات سريعة لها).
إذاً ما الجديد والمثير الذي يقدمه توني روبنز هنا؟ هل ستقرأ أفكاراً تقليدية عن النجاح والتفوق؟ كلا. هذا باختصار ليس كأي كتاب آخر قرأته في مجال التنمية الذاتية حيث إن أكثر ما يركز عليه توني روبنزهو حصولك على نتائج “فورية” و دائمة/طويلة الأجل، هذه النتائج التي تتحرق للحصول عليها قد تخص مجال علاقاتك الشحصية أو مستواك المالي أو ربما تحسين حالتك البدنية أو أي تحسين آخر في أي مجال تريده بصفة دائمة،
أليس هذا ما نريده في نهاية المطاف؟ وكل ذلك بوسائل واستراتيجيات لم تتخيلها ولم تتصور مدى بساطتها ومفعولها القوي في ذات الوقت! في كل فصل من فصول الكتاب تشعر وكأن الكاتب يضع يده على الجرح في مواضع كثيرة، فهو مثلاً يخبرنا بأننا جميعاً جربنا التغير للحظات ثم ما لبثنا أن عدنا إلى حالتنا السابقة، معظمنا جرب الشعور بالسعادة، الثقة، حب الآخرين أو ربما جربنا الإقلاع عن عادة سيئة كالتدخين مثلاً أو الافراط في الأكل مثلا آخر، ثُم و بشكل محزن وبعد فترة وجيزة عدنا لِما كنا عليه.
ايقظ قواك الخفية
توني روبنز يخبرك لماذا يحدث هذا بشكل مذهل! ستندهش عنما تعلم لماذا أنت وأنا -وأي شخص آخر- نفعل ما نفعل وماهي القوة التي تحرك كل افعالنا ومشاعرنا وبالتالي مصيرنا- ما الذي يشكل سلوكنا نحن البشر؟ توني روبنز يخبرك ويشرح لك بتفصيلٍ دقيق بأن كل أفعالنا إنما هي ناتجة عن رغبة منا في الحصول على المتعة أو لتجنب الألم.
الكتاب دسم فعلاً ومليء بالأفكار والتجارب والنتائج والتي هي حصيلة خبرات الكاتب في التعامل مع مختلف أنواع الناس في العالم لسنين طويلة، وهو بذلك لا بُد أن يُقرأ بعناية مع ورقة وقلم فهو مليء بالتمارين وحتماً ستسجل العديد من الملاحظات والأفكار والتي سترِد إليك منذ الفصل الأول. في الحقيقة،
إنْ لم تؤدي التمارين التي يحتويها الكتاب فلن تحصل على أي فائدة حقيقة من الكتاب، وحينها ستصدر أحاكماً خاطئة عن محتوى الكتاب ومؤلفه- وهذا وما حصل لي جزئياً عند قرائتي له للمرة الأولى.
لن أقول أني وبعد قرائتي للكتاب وفهمي لأفكاره الأساسية (بما يناسب مستواي ونضجي الفكري، على الأقل) تمكنتُ من تحقيق التغييرت الجذرية التي وعد الكاتب بالحصول عليها، لم اشتري سيارتي البي ام دبليو التي أحلم بها ولم أحقق ثراءاً هائلاَ (لم تكن هذه “أهدافاً” لي على أية حال)،
بل خرجتُ بدرس رائع ومنفعة عظيمة وهي أن أطبق مبدأ التحسن المستمر، أيْ أن التزم التزاماً صادقاً في كل يوم من أيام حياتي بإحداث تغييرات منتظمة وصغيرة في مناحي حياتي.
قبل قرائتي للكتاب لم اضع سيجارة في فمي ولم اتناول الكحول قط ولم أدمن على أي مادة من هذا القبيل كما لم أكن أعاني من البدانة المفرطة، بمعنى أنني كنت أُصنّف نفسي بمستوى متوسط، وهذا اشعرني بالارتياح فلم أفكر بأنني يمكن أن انتقل بحياتي ووضعيتي الحالية إلى مستوى ممتاز ومستقل مذهل.
وبعد قرائتي للكتاب ازددت قناعة ويقيناً بأنني لن أفعل ذلك البتة، بإذن الله، وأنّ علي الانتقال إلى المستوى التالي. سواء كنت شخصاً “عادياً” مثلي أنا، أو شخصاً يعاني من الإدمان أو البدانة أو تريد أن تكون “شخصاً ذا قيمية” أو ربما تريد السيطرة على مشاعرك وأفكارك، فهذا الكتاب لك.
واحدة من الأفكار الرائعة التي يطرحها الكتاب هي أنّ النجاح لا يُقاس بمقدار ما تحصل عليه من مال أو مادة، بل هو ذلك الشعور الراسخ الذي يكمن بداخلك والذي يتمثل بالقناعة والشعور بالرضا و الحماس لمساعدة الآخرين وتغيير حياتهم للأفضل، ذلك هو حقاً النجاح.
أخيراً، هل هناك نقاط سلبية في ما طرحه الكاتب؟ هناك ثلاث أمور يجب أن تعلمها قبل وحين وبعد قراءتك للكتاب: (1) قد يبدو لك المحتوى مكرراً بصورة كبيرة وأنك سمعت هذا الكلام في مصادر أخرى وهذا ماشعرتُ به أنا أيضاً.
توني روبنز يسمي نفسه مدرباً، وهو يخبرك بأن المدرب قد لا يخبرك بأشياء جديدة لا تعرفها، بل هو غالباً يخبرك بأشياء تعرفها ويحثك على تطبيقها ويزودك باستراتيجات وآليات لضمان الحصول على نتائج نوعية ومستمرة.
شعرت بالفعل وأنا اقرأ المحتوى بأنني سمعت هذا الكلام من مصادر أخرى، ولكن ثق بأنك لن تقرأ كلاما روتينيا مملاً، توني روبنز لديه اسلوبه المميز والجذاب وستشعر بأن تلتهم الكتاب التهاماً.
(2) انتبه: ليس كل ما في هذا الكتاب يعتبر صالحاً لك! بل إن الكاتب يخبرك في مطلع الكتاب بأنه ليس عليك أن تصدق كل ما ورد فيه، انتقِ الجزء الذي تراه مناسباً وطبقه وهذا كفيل بالحصول على النتائج التي تريدها.
شخصياً لم أجد فيه ما يخالف عقيدتي كمسلم. قد نختلف مع الكاتب في مواضع معينة، ولكنها حتماً لخسارة كبرى أن لا نخرج من هذا الكتاب سوى بذم الكاتب والنقاش في شخصه، أو نسف المحتوى بالكامل ووصفه بأنه وهم أو هراء! هذه بحق خسارة فادحة..
(3) أرى بأن توني روبنز قد بالغ كثيرا في اشهار نفسه بصورة مبالغ فيها عندما عرض اقتباسته في كتابه هو بجانب اقتباسات لمشاهير أمثال المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنج وهنري فورد وغيرهم، وهذا للأسف جعلني اشعر بأن الكاتب مصاب بالغرور والفخر الزائدين عندما يعرض نفسه بهذه الطريقة.
ايقظ قواك الخفية
ما غطّى على هذه النقطة السلبية، هو أنه يخبرك في مواضع عدة من الكتاب بأنه يفشل ويتعثر وأنه عانى من أوقات حرجة ولحظات ألم في حياته.
مأخذي الأكبر على الكتاب على الكتاب هو أن محتواه مكرر بصورة واضحة من محتوى “قدرات غير محدودة” الذي سبقه لنفس الكاتب- العديد من النقاط والقصص خاصةً معادٌ ذكرها باسلوب إعادة الصياغة والتحديث، تشعر وكأن الكاتب وضع نسخة من “قدرات غير محدودة” بجواره حين ألف “أيقظ قواك الخفية”
أو على الأقل استحضر الكثير من أفكار الأول ليعيد عرضها في الثاني وما يزيد هذا وضوحاً هو ذكر أجزاء من محتوى “قدرات غير محدودة” والإشارة إليها وإلى عناوين فصولها في مواضع عديدة من “أيقظ قواك الخفية” -وهذا ما سأوضحة أكثر عند كتابة مراجعتي للأول، بإذن الله-. مع ذلك، هناك اختلاف جوهري في محتوى الكتابين، و أرى بأن قراءة أحدهما لا تغنى عن قراءة الأخر ولو بصورة سريعة.
الترجمة كانت موفقة، ولكن أسلوب ترجمة الاقتباسات الواردة في الكتاب لم يكن سليماً تماماً، تشعر وكأن هذه الاقتباسات قد جُرّدت من معناها، وهذا ما أزعجني قليلاً. أيضاً، عندما أطّلعتُ على النسخة الإنجليزية من الكتاب وجدتُ أن المُترجِمة حذفت وأضافت بعض العبارات لأسباب يبدو بجلاء أنها عقائدية.
شخصياً، فتح لي هذا الكتاب مدخلاً واسعاً ورائعاً للقراءة أكثر في مجال البرمجة اللغوية العصبية والتنمية الذاتية، وأرى أنه نقطة انطلاق مثالية لمن يرغب في الدخول في هذين المجالين والتعمق فيهما.
ختاماً، أنصح كل من قرأ هذه المراجعة باقتناء الكتاب وقراءته بعناية وتأني. اقرأ هذا الكتاب إذا كانت لديك رغبة حقيقية لإحداث تغييرات نوعية ودائمة في حياتك عاطفياً، وبدنياً، ومالياً و اجتماعياً، وكنتَ مستعداً لبذل أقصى ما لديك في سبيل ذلك. ثق بي، اقرأه ولن تندم.